مراد سبيع.. يمنيّ يحلم/ شباب السفير

مراد سبيع.. يمنيّ يحلم

جدران تتذكر وجوه المخفيّين.. (عن الانترنت 
جدران تتذكر وجوه المخفيّين.. (عن الانترنت

زينب ترحيني
24/12/2013
يسأل عبر صفحته على “فايسبوك”، الاثنين الماضي، “من يعرف جهة غير الشمال، الجنوب، الشرق، الغرب، الوسط؟”.
التعليق الأول جاء على الشكل التالي: “هناك جهة أخرى عزيزي مراد، هي أنت”. يردّ مراد بالتحية على صاحب التعليق ويشدّد على سؤاله عن جهة وليس إنساناً. إنّه مراد سبيع، شاب يمني درس الأدب الانكليزي في “جامعة صنعاء” ليجد نفسه فجأة في مكان آخر. تعلّم الرسم في المنزل. طالع بعض الكتب عن الفن والرسم، وتابع ما تيسّر عبر الانترنت. بدأت رحلته مع الألوان والرسم، فعليّاً، في العام 2001.
هنا، الشاب اليمني المولود عام 1987، كان لا يزال فناناً في الإطار الشخصي.
في 15 آذار/ مارس 2012، خرج مراد سبيع إلى الإطار العام، ليرسم في الشارع ضمن حملة “لوّن جدار شارعك”.
تأخذ الأسرة الحيّز الأساسي في متابعته وفي تشجعيه الدائم. جرى دفعه بحماسة للدخول إلى هذا العالم، وهكذا حصل.
بيُسر، يشرح مراد بداية القصّة. بعد المعارك التي دارت بين الحكومة ومتمردي “حركة الشباب المؤمن” المعروفة باسم الحوثيين، والتي انتهت مع نهاية العام 2011، رغب الشاب في المساهمة بشيء ما للتخفيف من الاحتقان ومن آثار ما حلّ على البلاد من مصائب ودمار.
زاد من حماسته سكنه في منطقة فاصلة بين القوتين المتصارعتين. ربّما خلق ذلك عنده شعورا أكبر بالمسؤولية، وضرورة التحرّك السريع. أطلق حملة “لوّن جدار شارعك”. جاءت الدعوة بسيطة من دون أية تعقيدات. خطرت في باله فكرة. سارع إلى “فايسبوك”، أرفق صورة لشاب يرسم جدارية، وإلى جانبها كتب الجملة التالية: “معاً لنملأ شوارعنا بالحياة ونستبدل القبيح بالجميل.. من معي لتزيين شوارعنا باللون والحب والحياة.. سأنزل قريباً”.
جاءت هذه الدعوة في العام 2012. تفاعل كثيرون معه، سواء عبر “التلييك” أو التعليق. أمّا مراد فثبت على موقفه وبدأ العمل الفعليّ على الأرض وفوق الجدران. حينها، حُكي في اليمن عن “ثورة الألوان” التي حلّت بديلاً عن الحرب والموت والبلطجة… تلوّنت الجدران في كلّ صنعاء، وتغيّر المشهد العام. أقلّه انتقل من الفاتر إلى صاخب بألوان الحياة.
ثلاثة أشهر انتهت معها الحملة، بعد أن انتقلت، تباعاً، إلى مدن أخرى، كتعز وعدن وإب والجديده.. يقول مراد إن الفكرة راحت تتدحرج بمبادرات فردية، بعد الحماس والرغبة بإحداث تغييرات في أكثر من منطقة.
تكثر القصص في بال مراد. أحداث كثيرة رافقت رسمه على الجدران. يُجري الشاب مقارنةً بسيطة بين شابين استوقفاه للسؤال عمّا يخطّه مع رفاقه. كثيرٌ من الشمس والألوان والعرق والعمل لساعات طويلة، ليأتي بعدها شابٌ يرتدي “طيحني”، أي الجينز، ويعلّق بأن ما يجري هو محض تقليدٌ للغرب. الشاب الثاني، ذو اللباس التقليدي “الجنبيه، الثوب، الكوت والشال”..، قدّم لمراد قنينة ماء مرفقة بعبارة: “اتفضل يا فنان، الشمس حارقة”. لا يزيد مراد كلمة. يعتبر الشاب أن الحادثتين تعبّران عن نفسيهما. لا لشيء يأتي السرد، وإنّما فقط للإشارة إلى طبيعة الاعتراض الذي من الممكن سماعه بين فينة وأخرى.
ابتكر الشاب اليمني، من قلب المعاناة، وخرج بأفكاره إلى العلن. بعد “لوّن جدار شارعك”، أطلق حملة “الجدران تتذكر وجوههم”. هنا رُسمت وجوه المخفّيين قسراً في اليمن. هؤلاء الذين لا أحد يعلم عنهم شيئاً. جاء مراد ورفاقه لرسمهم على جدران بيضاء فارغة وإعطائها معنى. وهكذا دخلت جدران المدن صلب القضايا اليمنية المؤرقة والكثيرة. اليوم ينشغل مراد سبيع، بحملة “12 ساعة”. هذه الحملة التي وضعها كارلي ويست، في مقاله ضمن قسم المراجعة السياسية لـ”مشروع النظرية السياسية” التابع لجامعة “سانت جورج” الأميركية، في المرتبة الخامسة لأهم الحملات التي تحدث التغيير في العالم. تحكي “حملة 12 ساعة” قصّة 12 قضية أساسية في اليمن. من الفقر إلى السلاح والطائرات الأميركية من دون طيار والطائفية..
فترات بسيطة تفصل بين الجداريّة والأخرى. مراد في عمل دائم، لا يتوقّف. تزداد المسؤولية على الشاب، ليجد نفسه وسط دائرة لا بدّ له من الاستمرار في توسيعها. لا يعرف، تحديداً، ما القادم. يحكي الشاب بعفوية، عن حاجته لتعلّم الرسم، لأن خطاه في هذا المجال بطيئة وبسيطة جداً.
أمّا اليمن، فلا يجد مراد ما يصف به حاله. يقول: “نحن في طريقنا إلى التمزّق، آمل أن يكون هذا مجرّد كابوس”. عند سؤاله لتقديم تعريف واضح عن نفسه، لا يجد شيئاً للردّ سوى: “أنا إنسان يمني، لا أكثر”.
ردّ بسيط من شاب يمني، سخّر وقته لنشاط مدني، علّه يخرج بلاده من التدهور الدائم. علّه يسحب قليلاً “مركبهم الغارق” إلى ضفة أكثر وضوحاً وجمالاً. حملات مراد قلبت الجدران والطرقات والشوارع اليمنية. حلّت الألوان والفرح لأشهر كثيرة، والأمل كبير بخروج قريب من نفق يبتلع شباب اليمن وناسه تباعاً.

أقرأ المزيد..

2 thoughts on “مراد سبيع.. يمنيّ يحلم/ شباب السفير”

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s