غرافيتي يمني في زمن الحرب والجوع والكوليرا
حلت ثلاثية الحرب والجوع والكوليرا في رسوم غرافيتي جديدة نفذها الخميس الماضي، شابان يمنيان في محاولة منهما للفت الانتباه إلى اتساع المعاناة الإنسانية التي يعيشها المدنيون جراء النزاع الدائر في وقت تحولت مؤسسات الثقافة والإعلام إلى قنوات للدعاية الحربية وبث الكراهية.
في شارع الزبيري، أشهر شوارع العاصمة اليمنية صنعاء، الواقعة تحت سيطرة ميليشيات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، عبر رساما الغرافيتي مراد سبيع وذي يزن العلوي، عن اللحظة المأسوية التي يشهدها وطنهما من خلال رسوم جسدت معاناة الأطفال اليمنيين، والذين يمثلون الحلقة الأضعف والأكثر تضرراً جراء استمرار الحرب التي يشهدها منذ سنتين البلد الأفقر عالمياً.
«كان يفترض أن ننفذ حملة الرسم هذه في محافظة الحديدة بوصفها المحافظة الأكثر جوعاً ومرضاً لكن إمكانياتنا المالية لا تسمح لنا بالسفر»، يقول لـ «الحياة» فنان الغرافيتي الشاب مراد سبيع الذي يقود مع رسامين شباب من الجنسين حملات غرافيتي بدأت في 2012 بحملة «لون جدار شارعك». واستهدفت الرسومات حينها مناهضة خطاب الكراهية الذي أفرزه انقسام الجيش والمجتمع على خلفية احتجاجات 2011 المطالبة بإسقاط النظام.
وتأتي حملة سبيع والعلوي هذه في وقت انتشرت المجاعة في شكل غير مسبوق وتفشت أمراض وأوبئة بينها الكوليرا. ومنذ مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الجاري سجلت 11 حالة وفاة بالكوليرا. وأعلنت السلطات التربوية في مدينة عدن جنوب البلاد يوم الخميس الماضي عطلة في المدارس بعد اكتشاف عشرات الإصابات بين الطلاب.
وتوقعت مصادر طبية وجود إصابات أكثر من العدد المعلن, مشيرة إلى صعوبات تواجه ترصد الوباء بسبب ظروف الفقر وتدهور النظام الصحي وصعوبة الحصول على مياه نظيفة. فيما تقول منظمة الصحة العــالمية أنها بــحاجة إلى ما لا يــقل عــن 2 مــليون دولار لمـــكافـحة الوباء في اليمن.
وتتهم الأطراف اليمنية والإقليمية والدولية بعدم إعطاء أهمية كبيرة لحياة المدنيين الذين يشكلون، بحسب تقارير مختلفة، النسبة الأكبر من إجمالي الضحايا.
ومن إجمالي 2539 واقعة انتهاك رصدها الملتقى الوطني لحقوق الإنسان (مستقل) خلال الفترة تموز (يوليو)- أيلول (سبتمبر) من العام الحالي سجل انتهاك الحق في الحياة (القتل) أعلى الحقوق المنتهكة خلال الربع السنوي الثالث من العام الحالي بواقع 945 حالة يليه الاعتداء الجسدي ومحاولة القتل والتهديد 612 حالة وانتهاك حق الملكية بواقع 359 حالة والاعتقال والاحتجاز التعسفي 159 حالة.
ونفذ سبيع رسمة تمثل تابوتاً بداخله طفل غير متعاف يجلس في وضعية الرضيع في الرحم ويمتد من بطنه سلك شائك بدلاً من الحبل السري. فيما جاءت رسمة العلوي عبارة عن قنينة رضاعة فارغة داخلها طفل مسجى في إشارة إلى الافتقار لسلعة حليب الأطفال. ووفق منظمة «يونسيف» تسببت الحرب في قتل أكثر من ألف طفل يمني وإصابة 1730 طفلاً. وتعد منطقة الساحل الغربي (تهامة) أكثر المناطق معاناة جراء تفشي الجوع والمرض.
ويقدم سبيع ورفاقه الرسامون نموذجاً نادراً لجهة تبني الشباب اليمني لخطاب التعايش والسلام. فخلافاً للخطاب الوطني الجامع الذي أبرزته ساحات الاحتجاج إبان اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، تسبب انقلاب الحوثيين وصالح في تفشي الكراهية وبروز النزعات المناطقية والمذهبية والجهوية في شكل لم يشهد اليمن مثيلاً له. وبات لافتاً حالات التشجيع على القتل والتشفي بين أنصار أطراف الصراع.
ويعتمد سبيع ورفاقه على جهودهم الفردية في تنفيذ حملاتهم ويرفضون أي تمويل لكي لا يحسبوا على طرف. وذكر ذي يزن العلوي لـ «الحياة» أنه لم يستطع أن ينجز رسمته بحجم أكبر لافتقاره للمال اللازم لشراء مواد الرسم. وكثير من أعضاء فريق الغرافيتي الذي يقوده سبيع ما زالوا طلاباً ومنهم العلوي الذي يدرس في كلية الهندسة في جامعة صنعاء.
وتتفاوت النظرة إلى رسوم الشارع في الوقت الراهن، حيث الوقت وقت حرب وجوع ومرض بامتياز. ففي حين يعتبرها بعضهم ترفاً وغير ذات جدوى يرى آخرون فيها مقاومة ومحفزاً للوجدان العام. حتى أن بعض المواطنين الذين رافقوا حملة الخميس الماضي توقعوا أن تتناول الرسوم أيضاً قضية تأخر الرواتب وهي قضية صارت الشغل الشاغل للموظفين الحكوميين وأسرهم.
وبحسب الناشط المدني صادق غانم فإن رسوم الشارع قد لا تترك تأثيراً حقيقياً على الأحداث الجارية لكنها ستشكل تراكماً والأهم أنها تدون وتثبت صوت الضحايا والمقموعين خصوصاً الضعفاء منهم.