مجموعة «رقصةُ الموتى الأخيرة» لمُراد سُبيع: تاريخٌ مصور للحظات الأخيرة لموتى الحرب في اليمن/ بقلم: أحمد الأغبري, القدس

مجموعة «رقصةُ الموتى الأخيرة» لمُراد سُبيع: تاريخٌ مصور للحظات الأخيرة لموتى الحرب في اليمن

أحمد الأغبري

صنعاء ـ «القدس العربي»: أنْ ترسمُ الموتَ وتشكلُ بالخطوط والألوان قصصاً لموتى الحرب في اليمن؛ فمَهمةٌ ليست يسيرة؛ لأنك بقدر ما تحاور الألم في أقسى مراحله؛ وهو الموت فإنك تستنطق الحرب في أبشع صورها وهي القتل وتحرص، فوق كل ذلك، أن تقدم ذروة ذلك الألم لدى الضحايا في سياقٍ فني يرى ويسمع، من خلاله العالم، ما لم يستطع أولئك الموتى أن يرووه عن لحظاتهم الأخيرة… وهي مَهمة قاسية تصدى لها الفنان اليمني مُراد سُبيع، في مجموعته التشكيلية «رقصة الموتى الأخيرة»، التي تضُم أكثر من خمسين لوحة، تمثلُ محاولة منه لأن يُشكل، ولو تاريخا مصورا بسيطا لفترةٍ قاتمة يعيشها بلده تحت نير حرب قذرة.

لمُراد سُبيع، وهو أحد الرسامين الشباب في اليمن، تجربته المؤثرة في جداريات فن الشارع (الغرافيتي)؛ وها هو، اليوم، يشتغل في فرنسا حيث يُقيم، على مجموعة من اللوحات التشكيلية، تتناول بعض قصص موتى الحرب في بلاده؛ وهي مجموعة ينتهي منها في مايو/أيار المقبل بعد عام من الانكباب عليها في مدرسة كلية الفنون العليا في مدينة أكس جنوب فرنسا ضمن برنامج زمالة صندوق حماية الفنانين في أمريكا.
عادة، يشتغل مراد ضمن حملات فنية، أو على سلسلة أعمال في سياق موضوع معين، وله في هذا عددٌ من التجارب الجدارية داخل بلاده، وحتى عقب مغادرته أنجز جداريات في باريس ولندن ومارسيليا؛ بما فيها جدارية ضمت أعمالا من مجموعته التشكيلية هذه، التي استخدم فيها ألوان أكريليك على قماش.

الضحايا المدنيون

انطلق، في اشتغاله على هذه المجموعة، من «أن اليمنيين المدنيين يمرون بمراحل موت مختلفة قبل الموت الجسدي… ووفق تقارير أُممية فإن عدد موتى الحرب في اليمن وصل لنحو ثلاثمئة ألف، وللأسف يتحول هؤلاء الموتى إلى أرقام بينما لهم قصص وتفاصيل. أنا في هذه الأعمال اشتغلُ على تفاصيلِ قصص معاناة هؤلاء الناس ووضعياتهم في اللحظات الأخيرة قبل الموت؛ واللحظات الأخيرة هي عبارة عن رقصات لاإرادية تشكلها أيدي الحرب والدمار» يقول مراد متحدثاً لـ«القدس العربي» عبر البريد الإلكتروني.

المدلول الإنساني

تعود فكرةُ هذه المجموعة للسنوات التي عاشها مُراد في بلاده؛ وهي قريبةٌ من نسق الأعمال التي نفذها ضمن فن الشارع هناك، وكذلك في لندن وباريس، لكن تركيزه، هنا، انسكب تشكيلياً على الضحايا المدنيين انطلاقاً من أن قصص معاناة هؤلاء كإنسان تضيع، كما يعتقد، في الأرقام؛ معتبراً هذه المجموعة امتداداً موضوعياً لأعماله السابقة، لكن برؤية فنية مختلفة تُركز «على المدلول الإنساني أكثر من المدلول السياسي».
وبالتالي فموضوع هذه الأعمال، من وجهة نظره، هو تعبيرٌ عن حالة اليمني كشعب وبلد وإنسان، «إذ تمنحك اللوحات تفاصيل أكثر لتشاهدها؛ ففي هيئة الأجساد المعصورة والممزقة، والتي فقدتْ شكلها… حاولتُ أن ابتعدُ قليلاً عن رسم الأشلاء، على اعتبار أن المشاهد معنيٌ بتلقي العمل بطريقة فنية تُوصِل إليه معنى الحرب الحقيقي؛ لذا اشتغلتُ على هيئة الأجساد قبل الموت، وكيف تنالُ الحرب من الأجساد والأرواح».
وضعَ مراد بعض أعمال هذه المجموعة في أول جدارية اشتغلها في هذا السياق، وكانت في باريس خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وهناك اشتغل ثلاثة أعمال من هذه المجموعة ضمن تلك الجدارية، وذلك للتذكير بضحايا الحرب في بلاده، في محاولة كما يقول «لإيجاد تواصل مباشر للعالم مع الإنسان اليمني وقصته كضحية لحرب ظالمة».
كان هذا المشروع وإنجازه عبر مجموعة تشكيلية هو الوسيلة التي ارتأها لتصوير تفاصيل قصص موتى الحرب هناك، لاسيما مع تعقيد الضوابط القانونية لممارسة فن الشارع في أوروبا، متمنياً أن تُتاح له الفرصة للانتقال لأماكن أخرى في العالم ليُعبر عن معاناة بلاده مع الحرب «أدركُ تماماً ما يعيشه اليمنيون، حتى وأنا بعيد عنهم».

الموتُ كعملٍ فني

الاشتغالُ على الموتِ كنسق تشكيلي وعملٍ فني ليس بالعمل الهين؛ فالفكرة بحد ذاتها مخيفة ومعقدة، ليس لكون الموت وما يكتنف فكرته من تفاصيل يخافها الناس، وإنما، أيضاً، لأن وسائل وقصص التعبير عنه فنياً ليست يسيرة، وربما لن تكون مقنعة، «فالموت يخاف منه الجميع؛ لكنه سُنة الحياة، إلا أن مواجهة القتل بأشكاله التي تخلقها الحرب يعد واجبا؛ فاليمنيون يموتون كل يوم، ولا يوجد مَن يحكي قصصهم، ولا مَن يتضامن معهم بشكل جاد، سواءً على المستوى العالمي أو المستوى الإقليمي. أحاول بهذه الأعمال أن أشكل ولو تاريخا مصورا بسيطا لفترة قاتمة يعيشها بلدي وأهل بلدي، الذين أخذت منهم الحرب أحلامهم؛ وهو ما سيؤثر لعقودٍ مقبلة على اليمن، وستحتاج البلاد لوقت طويل لتتعافى، هذا إذا انتهت الحرب في الوقت القريب».
ويعتقد مُراد أن على الفن بكل أشكاله أن يستحضر معاناة الإنسان اليمني، فهي معاناة قاسية وغير مسبوقة، ولم تلق حقها من الوعي بخصوصيتها والتضامن والمساندة لمظلوميتها، كما يخاف مراد من أن يألف ويعتاد المتابعون أخبار هذه المعاناة الإنسانية؛ «ولهذا أحرصُ ألا تغيب، على الأقل، في أعمالي، حيث ستظل قصة الإنسان اليمني هي العنصر الأهم فيها؛ لأننا بحاجة لمَن يتحدث عن معاناة هذا الشعب وآلامه، وربما سيكون هناك مَن سيتعظ في المستقبل».

المعرض

استلهم مراد سبيع قصص هذه اللوحات مما شاهده في بلاده، ومازال يشاهده من صورٍ وفيديوهات من أرض المعارك، «وكلها صور تتجمع في رأسي وتجعلني أخرجُ بهذه التفاصيل؛ فهذه الأعمال هي مِن داخل الكارثة في بلدي، إنها محاولة للتعبير عما يحصل هناك». بلاشك أن ألم أولئك الضحايا، وهم يتموضعون على اللوحات، يعتصر روح الفنان خلال اشتغاله على لحظاتهم الأخيرة، فيأسى على أرواحهم مع كل نقطة يضعها على تلك الصور؛ لأن تلك الأرواح التي تروي الألوان قصصها الأخيرة هي بلده!
يبقى السؤال عن مصير هذه الأعمال، وهل سيتم عرضها في معرض متنقل؟ هنا يوضح مُراد سُبيع، أن لا خطة واضحة لديه لهذا الأمر حتى الآن؛ إذ ينتظر، حالياً، انتهاء البرنامج مع نهاية مايو/أيار.

رابط المقال..

Continue reading “مجموعة «رقصةُ الموتى الأخيرة» لمُراد سُبيع: تاريخٌ مصور للحظات الأخيرة لموتى الحرب في اليمن/ بقلم: أحمد الأغبري, القدس”

«وجوه الحرب» لليمنيّ مُراد سبيع: حكايات ترويها الجداريات

 

«وجوه الحرب» لليمنيّ مُراد سبيع: حكايات ترويها الجداريات

May 30, 2018

صنعاء ـ «القدس العرب» من أحمد الأغبري: «ليس هناك وجه معين للحرب» يتحدث الفنان اليمني مراد سبيع عما أنجزه من أعمال مجموعة «وجوه الحرب»؛ وهي جداريات لوجوه من الضحايا يشتغل عليها على جدران تئن تحت وقع المأساة هناك، موضحاً «ما أحاول عمله هو نقل الوجه القبيح للحرب، عبر آثارها على أجساد وأرواح البشر الذين يعيشونها».
ومراد فنان ينتمي إلى فن الشارع تشكيلياً، واستطاع منذ عام 2012 أن يسهم في التأسيس لحضور هذا الفن في مواجهة التزامات كبيرة، كالأهداف التي ارتبطت بمجموعته «وجوه الحرب»؛ المتمثلة في إبراز الوجه القبيح لآثار الحرب في بلد ما زال يعيشها؛ وهو بهذا، بلا شك، يعبّر من خلال الجدران عما صنعته الحرب وتصنعه في الإنسان، وتشهد من خلال ذلك على المكان. كما أن هذه الأعمال قد لا تبقى طويلاً في مكانها بفعل ظروف الحرب، لكن يكفي أن تتحرك الريشة، وتقول كلمتها بين هذا الركام، وتجسد صورة من صور الألم؛ فالفن إذا لم يكن جزءاً من الناس يبقى في موقع لا يليق به؛ هكذا يعتقد مراد.

ضمن «فن الشارع» أطلق مراد خمس حملات فنية خلال تجربته؛ فنفذ حملته الأولى «لوّن جدران شارعك» عام 2012، ثم أطلق حملته الثانية «الجدران تتذكر وجوههم» بعد شهرين، ومن ثم حملته الثالثة «12 ساعة» عام 2013 والرابعة «منحوتات الفجر» في أوائل عام 2015. وبعد اندلاع الحرب الأهلية والخارجية المستعرة هناك في الربع الأول من عام 2015، أطلق حملته الخامسة «آثار».
منذ أواخر عام 2017 بدأ مراد في الاشتغال على مجموعة من الأعمال تصور معاناة الحرب، على جدران تمثل شواهد على آثار الحرب، وأنجز منها حتى الآن خمسة أعمال؛ ثلاثة منها في مدينة الحديدة/غرب، اشتغل عليها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واثنين منها في صنعاء اشتغل عليها خلال مايو/ آيار؛ وفي هذه الجداريات جسد وجوه أطفال وبالغين تعكس ملامحهم المعاناة الناتجة عن الحرب. «الوجوه في جداريات هذه المجموعة سواء كانت لأطفال أو بالغين هي متشابهة، من خلال تصويرها لوجه الحرب، عبر آثارها التي تركتها على وجوه وأجساد الشخصيات المرسومة» يتحدث مُراد لـ«القدس العربي».
عندما يختار المكان الذي سيرسم عليه لابد أن يقرأ مراد في الجدار قصة من قصص المعاناة الناتجة عن الحرب؛ وهي قصة يحرص على أن يكتب فكرتها؛ وهو يقدم صور الجدارية على موقعه الإلكتروني؛ فجدارية «تهامة» كما كتب عنها، هي نتاج تأثره بمنظر في مدينة الحديدة لامرأتين تطبخان على قدر فوق كومة من الأحجار والحطب… كان معهما أطفالهما وخلفهما هيكل يشبه الكوخ مرفوع بأعمدة خشبية وفوقه منشورة خرق من الملابس البالية. يقول مراد «ما زالت في ذاكرتي ابتسامتهما على الرغم من قساوة حياتهيهما. رجعت في اليوم التالي إلى المكان نفسه لأطبق هذه الجدارية على جدار مطبخهما الذي على الرصيف، والتي اسميتها (تهامة)». من هنا يأتي اختيار المكان واختيار الوجه: «من الناس ومن الضحايا، وهي تكاد تكون الوجه ذاته لا فرق» يقول مراد مشيراً إلى حرصه على تجسيد ملامح الحرب: «العيون المفقوعة بسبب أهوال الحرب والجلد الملتصق على العظم والشعر المنفوش كغابة محروقة، وتارة كأرض معركة مازالت مستمرة… ليس هناك وجه معين للحرب»، يوضح مراد الذي يحاول فقط في كل جدارية نقل حكاية من حكايات الحرب، لعلها تقول ما لم تقله بقية أشكال التعبير الأخرى عن أناس ممن لا يلتف لهم الإعلام ولا تهتم بحكاياتهم نشرات الأخبار، كحكاية جدارية «ركام الأطفال» التي اشتغل عليها في صنعاء «خلال سنوات الحرب كان الأمر الجلي والوحيد، هو أن المتحاربين على رؤوسنا لا يقيمون أي وزن لحياة الأبرياء، وفي مقدمتهم الأطفال. تبتلع الحرب وأطرافها روح هذا الشعب وأحلامه ولا يشعر بهذه الحرب إلا الأبرياء». واشتغل هذه الجدارية على بقايا جدار أحد المنازل في أحد شوارع العاصمة. لا يهتم مراد أن يرسم على جدار ثابت، ولا يهتم أن يبقى الجدار لتبقى اللوحة؛ فهو يقول كلمته وينجز لوحته ومن ثم يصورها ويمضي ويعرض حكايتها وينشرها في موقعه الإلكتروني، كجداريته التي اشتغلها على جزء من باب أحد الملاعب في مدينة الحديدة/ غرب، لكن الباب، الذي يؤدي إلى ملعب صار مكب نفايات، لم يعد ثابتاً؛ فرأى في المنظر تجسيداً لحال بلاده؛ فرسم لوحته على الباب، مجسداً وجها من وجوه الحرب ينعق غراب على رأسه؛ وفيها من الدلالات الكثير.
غالباً تكون الصورة الفوتوغرافية من أهم وسائل الفنان التشكيلي، لكن معظم الفنانين التشكيليين يعتمد على الصورة الفوتوغرافية في تصوير منظر لإعادة الاشتغال عليه تشكيلياَ، لكن مراد يعتمد على الصورة الفوتوغرافية بعد إنجاز جداريته فيتم تصويرها؛ ومن خلال الصورة يتم عرض الجدارية في مواقع التواصل، وقبل ذلك في موقعه الإلكتروني، وأحياناً لا يبقى من الجدارية سوى الصورة الضوئية وحكايتها.
حصل مراد على عددٍ من الجوائز، منها جائزة «الفن من أجل السلام» في 2014 من مؤسسة Veronesi ؛ وهي مؤسسة إيطالية تمنح فنانًا واحدًا كل عام تقديرا لأعمالهم الفنية التي تعزز السلام في العالم. وحصل على «جائزة حرية التعبير لعام 2016» من مؤسسة Index on Censorship في لندن، المملكة المتحدة.

رابط المقال..

Continue reading “«وجوه الحرب» لليمنيّ مُراد سبيع: حكايات ترويها الجداريات”