«وجوه الحرب» لليمنيّ مُراد سبيع: حكايات ترويها الجداريات

 

«وجوه الحرب» لليمنيّ مُراد سبيع: حكايات ترويها الجداريات

May 30, 2018

صنعاء ـ «القدس العرب» من أحمد الأغبري: «ليس هناك وجه معين للحرب» يتحدث الفنان اليمني مراد سبيع عما أنجزه من أعمال مجموعة «وجوه الحرب»؛ وهي جداريات لوجوه من الضحايا يشتغل عليها على جدران تئن تحت وقع المأساة هناك، موضحاً «ما أحاول عمله هو نقل الوجه القبيح للحرب، عبر آثارها على أجساد وأرواح البشر الذين يعيشونها».
ومراد فنان ينتمي إلى فن الشارع تشكيلياً، واستطاع منذ عام 2012 أن يسهم في التأسيس لحضور هذا الفن في مواجهة التزامات كبيرة، كالأهداف التي ارتبطت بمجموعته «وجوه الحرب»؛ المتمثلة في إبراز الوجه القبيح لآثار الحرب في بلد ما زال يعيشها؛ وهو بهذا، بلا شك، يعبّر من خلال الجدران عما صنعته الحرب وتصنعه في الإنسان، وتشهد من خلال ذلك على المكان. كما أن هذه الأعمال قد لا تبقى طويلاً في مكانها بفعل ظروف الحرب، لكن يكفي أن تتحرك الريشة، وتقول كلمتها بين هذا الركام، وتجسد صورة من صور الألم؛ فالفن إذا لم يكن جزءاً من الناس يبقى في موقع لا يليق به؛ هكذا يعتقد مراد.

ضمن «فن الشارع» أطلق مراد خمس حملات فنية خلال تجربته؛ فنفذ حملته الأولى «لوّن جدران شارعك» عام 2012، ثم أطلق حملته الثانية «الجدران تتذكر وجوههم» بعد شهرين، ومن ثم حملته الثالثة «12 ساعة» عام 2013 والرابعة «منحوتات الفجر» في أوائل عام 2015. وبعد اندلاع الحرب الأهلية والخارجية المستعرة هناك في الربع الأول من عام 2015، أطلق حملته الخامسة «آثار».
منذ أواخر عام 2017 بدأ مراد في الاشتغال على مجموعة من الأعمال تصور معاناة الحرب، على جدران تمثل شواهد على آثار الحرب، وأنجز منها حتى الآن خمسة أعمال؛ ثلاثة منها في مدينة الحديدة/غرب، اشتغل عليها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واثنين منها في صنعاء اشتغل عليها خلال مايو/ آيار؛ وفي هذه الجداريات جسد وجوه أطفال وبالغين تعكس ملامحهم المعاناة الناتجة عن الحرب. «الوجوه في جداريات هذه المجموعة سواء كانت لأطفال أو بالغين هي متشابهة، من خلال تصويرها لوجه الحرب، عبر آثارها التي تركتها على وجوه وأجساد الشخصيات المرسومة» يتحدث مُراد لـ«القدس العربي».
عندما يختار المكان الذي سيرسم عليه لابد أن يقرأ مراد في الجدار قصة من قصص المعاناة الناتجة عن الحرب؛ وهي قصة يحرص على أن يكتب فكرتها؛ وهو يقدم صور الجدارية على موقعه الإلكتروني؛ فجدارية «تهامة» كما كتب عنها، هي نتاج تأثره بمنظر في مدينة الحديدة لامرأتين تطبخان على قدر فوق كومة من الأحجار والحطب… كان معهما أطفالهما وخلفهما هيكل يشبه الكوخ مرفوع بأعمدة خشبية وفوقه منشورة خرق من الملابس البالية. يقول مراد «ما زالت في ذاكرتي ابتسامتهما على الرغم من قساوة حياتهيهما. رجعت في اليوم التالي إلى المكان نفسه لأطبق هذه الجدارية على جدار مطبخهما الذي على الرصيف، والتي اسميتها (تهامة)». من هنا يأتي اختيار المكان واختيار الوجه: «من الناس ومن الضحايا، وهي تكاد تكون الوجه ذاته لا فرق» يقول مراد مشيراً إلى حرصه على تجسيد ملامح الحرب: «العيون المفقوعة بسبب أهوال الحرب والجلد الملتصق على العظم والشعر المنفوش كغابة محروقة، وتارة كأرض معركة مازالت مستمرة… ليس هناك وجه معين للحرب»، يوضح مراد الذي يحاول فقط في كل جدارية نقل حكاية من حكايات الحرب، لعلها تقول ما لم تقله بقية أشكال التعبير الأخرى عن أناس ممن لا يلتف لهم الإعلام ولا تهتم بحكاياتهم نشرات الأخبار، كحكاية جدارية «ركام الأطفال» التي اشتغل عليها في صنعاء «خلال سنوات الحرب كان الأمر الجلي والوحيد، هو أن المتحاربين على رؤوسنا لا يقيمون أي وزن لحياة الأبرياء، وفي مقدمتهم الأطفال. تبتلع الحرب وأطرافها روح هذا الشعب وأحلامه ولا يشعر بهذه الحرب إلا الأبرياء». واشتغل هذه الجدارية على بقايا جدار أحد المنازل في أحد شوارع العاصمة. لا يهتم مراد أن يرسم على جدار ثابت، ولا يهتم أن يبقى الجدار لتبقى اللوحة؛ فهو يقول كلمته وينجز لوحته ومن ثم يصورها ويمضي ويعرض حكايتها وينشرها في موقعه الإلكتروني، كجداريته التي اشتغلها على جزء من باب أحد الملاعب في مدينة الحديدة/ غرب، لكن الباب، الذي يؤدي إلى ملعب صار مكب نفايات، لم يعد ثابتاً؛ فرأى في المنظر تجسيداً لحال بلاده؛ فرسم لوحته على الباب، مجسداً وجها من وجوه الحرب ينعق غراب على رأسه؛ وفيها من الدلالات الكثير.
غالباً تكون الصورة الفوتوغرافية من أهم وسائل الفنان التشكيلي، لكن معظم الفنانين التشكيليين يعتمد على الصورة الفوتوغرافية في تصوير منظر لإعادة الاشتغال عليه تشكيلياَ، لكن مراد يعتمد على الصورة الفوتوغرافية بعد إنجاز جداريته فيتم تصويرها؛ ومن خلال الصورة يتم عرض الجدارية في مواقع التواصل، وقبل ذلك في موقعه الإلكتروني، وأحياناً لا يبقى من الجدارية سوى الصورة الضوئية وحكايتها.
حصل مراد على عددٍ من الجوائز، منها جائزة «الفن من أجل السلام» في 2014 من مؤسسة Veronesi ؛ وهي مؤسسة إيطالية تمنح فنانًا واحدًا كل عام تقديرا لأعمالهم الفنية التي تعزز السلام في العالم. وحصل على «جائزة حرية التعبير لعام 2016» من مؤسسة Index on Censorship في لندن، المملكة المتحدة.

رابط المقال..

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s