مراد سبيع كبطل قومي

بقلم/ فتحي أبو النصر
الإثنين 26 مارس – آذار 2012 09:03 م

نعم.. يجب أن نتعامل مع الفنان مراد سبيع كبطل قومي، إذ بأشياء بسيطة وبتصميم كبير استطاع أن يضيف لحياتنا الباهتة معنى متدفقاً عبر مشروع “لوّن جدار شارعك” الذي أطلقه الأسبوع الماضي بصنعاء، وشاركه فيه عديد رسامين.

والحاصل أن المدن اليمنية عموماً تفتقر لمسحة الفن الذي سيضفي عليها طابعاً استثنائياً.

حياة مكللة بالتعس ومناظر تفتقد للدهشة. شوارعنا هي أيضاً انعكاس عن تخلفنا الفكري والاجتماعي، محبطة للآمال، فمتى سنحتفي بإمكانية الفرح؟.

لقد ضيعتنا القضايا الكبرى عن الاهتمام بتنمية أحاسيسنا الفنية والجمالية، فيما صارت الحياة قاحلة لا يمكن مقاومتها إلا بمزيد من الفن .

وحده مراد سبيع أطلق صرخته الجميلة في ظل ضجة السياسيين وتراثيات الاعتياد المعاشي التي لا تفهم بأن العيش من ناحية فلسفية يفترض أن يكون فناً في جوهره، فناً لمقاومة الخيال المحصور، والإيقاع الرتيب لمجريات الحياة القاسية والجوفاء في واقع كاليمن.

لذلك صارت جدران الشوارع التي امتلأت بعبارات الكراهية والأحقاد تتحول اليوم إلى أفكار جداريات متدفقة بالحب والتجانس والتسامح، بعد أن كنا نتبختر بقبحنا فقط، خصوصاً وأننا مجتمع يرتاب من ممكناته الإبداعية ولا يحترمها كما يحترم الفنادم والمشايخ وبائعي القات مثلاً.

إنها صرخة ضد الجمود، ودعوة لصناعة الحياة، تمثل الرفض المعتبر للسائد الجمالي الفقير والعنيف في شوارعنا ووعينا؛ إذ أعرف أن العطب الثقافي كبير في البلد، كما أن البلادة تنخر مؤسسات البلد الثقافية، إلا أن مثل هذه الاهتزازات المشعة قادرة على إضفاء جزء مهم من السعادة على الذهن والوجدان والخيال.

فالفن بمفهومه الإنساني المباشر يبدو سبيلاً أمثل لتطوير الذات في الأساس عبر ما يجلبه من إيحاءات ودلالات نفسية وشعورية عاطفية وعقلية أيضاً.

ثم إن الصرامة التي طبعت حياتنا لطالما كانت تبريراً للوعي الجلف والمتخلف بأهمية الفن. وتأتي المبادرة الذاتية للفنان الشاب كجزء من ثورة المفاهيم بالوعي في ظل الثورة كذلك، فهو ومن عمق هذه اللحظات المأزومة يخرج بجرأة شهية ليدعونا إلى جنته اللونية بدلاً من جحيمنا اليومي جراء عدم وجود ما يبهر في مسافاتنا الطويلة أو حتى يلفت النظر ويستدعي التأمل والامتلاء العميق بما يخلفه الفن داخلنا، بل لعل بهجة الجدران بمراد سبيع كبيرة حسب تصوري أيضاً؛ إذ كان المرء يتأمل في شوارع صنعاء المحيطة بساحة التغيير فلا يجد إلا الأبنية المنخورة بالرصاص والقذائف أو تلك المشوّهة بعبارات المديح لصالح أو الذم له.

لكن على الرغم من رعب الأيام الدامية والأكثر هولاً التي عاشتها العاصمة وترسّخت في أعصابنا الفترة الأخيرة، سرعان ما ستنتقل بك أعمال مراد سبيع إلى حالة فعلية من الانشراح، لي أن اسميها بتوصيف آخر: شغفنا الذي كان مغيباً بقيمة الإنسان وقدرة الفنان العميقة على توليد البهجة وإثارة الأمان الروحي حوله.

كم أتمنى تعميم هذا المشروع الجمالي الخلاق في كل مدن اليمن، على الأقل بدلاً من مشروع همجي كنهب الأراضي والقتال عليها الذي أرساه علي عبدالله صالح طيلة 33سنة.

نقلاً عن صحيفة “الجمهورية”

أقرأ المزيد..

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s