
بالصور.. “حٌطام” توثق الحرب على بقايا الجدران

الأحد 29/نوفمبر/2015 – 12:56 م
نجلاء حسن- اليمن العربي
هنا كان منزل، سكنته عائلة، وهناك انتصب لفترة طويلة مبنى حكومي، وبمحاذاة تلك الجدران تبادل الطلاب الاحاديث في طريق العودة من مدرستهم، لكنها اليوم صارت مجرد بقايا بعد أن طالتها القذائف، كئيبة لأنها تلطخت بأرواح من دفنوا تحت انقاضها.
فكما البشر، تخوض الأماكن الحرب لتصبح شاهد على مرورها من هنا.
“حُطام” كان عنوان أختاره الفنان التشكيلي اليمني مراد سبيع لحملة فنية ينفذها على بقايا جدران البيوت والأماكن التي دمرتها الحرب الداخلية والخارجية في صنعاء وتعز وعدن.
يقول سبيع عن سبب اختياره للرسم في أماكن كهذه أنه يحاول جذب الاهتمام والتركيز أكثر على الضحايا المدنيين، ويضيف في حديثه لـ”اليمن العربي”:”في مقدمة هؤلاء الأطفال والذين أصبحو الوليمة الأولى لهذه الحرب، حاولت أن أجذب اهتمام الناس أكثر ولو من الناحية النفسية”.
الضحايا الأطفال أولى جداريات “حٌطام”
في 18 مايو 2015 حمل سبيع أدوات الرسم وتوجه إلى منطقة بني حوات في ضواحي صنعاء، كان ذلك أول أيام الحملة حطام، ليرسم أولى جدارياته والتي تضم 15 صورة مكررة لزهرة بداخل إطار، فيما يظهر في نهاية صف الصور طفلين كأنما يعلقانها على الجدار.
يقول سبيع:”قتل في تلك المنطقة 27 مدنياً بينهم 15 طفل”، كانت تلك الزهور أطفالاً قضو أثناء القصف الذي استهدف أماكن يتواجد فيها عناصر من جماعة الحوثي، بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام آنذاك.
يضيف:”كانت تلك البداية ويومها شاركني الرسم أهالي المنطقة من شباب وأطفال بالإضافة إلى بعض الأصدقاء الذين قدموا معي من صنعاء”.
لم تكن تلك الجدارية الوحيدة، فما أن يشهد مكاناً ما في العاصمة قصفاً يتوجه إليه سبيع وأصدقائه، ليس لرؤية الحطام لكنها زيارة مهمة قبل تنفيذ أي عمل فني ضمن الحملة، وهنا تكمن صعوبة هذه الحملة والتي لا تشبه غيرها من الحملات الفنية التي نفذها الفنان خلال الأعوام الماضية.
يقول:”نحن نزور المناطق التي تعرضت للقصف لنتعمق اكثر بالحادث لنخرج بأفكار تعبر اكثر عن ما حدث وربما لا نكتفي بزيارة واحدة، بعض الأحيان نزوره أكثر من مرة”.
في منطقة فج عطان بصنعاء وهي المنطقة التي كان لها الحظ الأوفر من القصف خلال الأشهر الماضية وما تزال، كانت نفذ سبيع جدارية وركزت على الإنفجارات المتتالية التي حدثت في المنطقة، يقول معلقاً على ذلك العمل:”كانت جدارية ساخره من السياسييين والعسكر الذين يتحدثوا دوما عن اهتمامهم بأمن المواطنين”.
ما تزال الحملة مستمرة
يؤكد سبيع أن الحملة مستمرة ويجري حالياً التحضير للنزول الخامس:”لم نحدد مكان بعينه بعد، لكننا سننفذ عملاً في القريب”، ويرجع التوقف لأكثر من شهرين إلى الوضع الاقتصادي الذي يعانون منه كأشخاص يعتمدون على ذاتهم في تنفيذ هذه الحملات.
فقي الوقت الحالي تستهدف الحملة صنعاء وهي محل إقامة الفنان وأصدقائه يقول سبيع :”ليس لدينا حالياً إمكانية للذهاب إلى المحافظات الأخرى، نحن نتحرك بجهود ذاتية ونبذل أقصى ما نستطيع، ويتابع:”متى ما استطعنا التحرك لمحافظات أخرى بالتأكيد سنفعل فهدف الحملة كل المحافظات التي طالتها الحرب الداخلية والخارجية”.
صورة عائلية لها قصة
وفي أكتوبر الماضي نفذ عملاً ضمن حملة “حطام” كانت صورة عائليه علقت على جدار وهي مائلة فيما وقف على إطارها غراب، يقول عنها رسمت الجدارية في صنعاء على أحد البيوت المهدمة في مدينة “العمال الشرقية” بمنطقة سعوان، مشيراً إلى أن البيت الذي رسمت على جدرانه قتل فيه معظم أفراد الأسره ولم ينجو سوى الأب وطفله عمرها عام.
وعن هذا العمل بالذات يكتب مراد سبيع على مدونته أنه كان يفترض بهذا العمل أن يرسم على جدار منزل هدم في عدن جراء الحرب الداخلية، وذلك بعد أن رتب لزيارة عدن إلا أن اصدقائه هناك نصحوه بعدم الذهاب لعدن حفاظأ على حياته.
ويضيف أنه في سبتمر الماضي كان ذهب إلى تعز لرسم جداريتين إحداهما لطفلة تسقي ورده نبتت من بقايا قذيفة هاون، والأخرى صورة العائلة إلا أن:”الحوثيين أخذونا وبقينا لديهم حوالي ساعه ونصف، حققوا معنا خلالها ثم منعونا من دخول المدينة وطلبوا مننا العودة إلى صنعاء”.
تم ذلك التحقيق بعد أن كان سبيع أنهى الرسم جدارية الطفلة التي تسقي الوردة على أحدى خزانات المياة الصدئه والمهملة منذ سنوات وسط أرضية مكشوفة تقع على حدود منطقة الحوبان ومدينة تعز، وهو ما يقول سبيع معلقاً عليه:”هذه الجداريه أهديها للأطفال ضحايا الصراعات المسلحة في كل مدينه يمنيه”.
تفاعل الناس أهم من الجائزة
تسلم سبيع جائزة رفيعة وهي جائزة الفن من أجل السلام لعام 2014، والتي حصل عليها من مؤسسة فيرونيزي الإيطالية والمخصصة للفنانين الذين يبدون التزاماً بثقافة السلام في أنحاء العالم.
ورغم ذلك يؤكد سبيع في حديث لـ”االيمن العربي” أن التكريم الأكبر هو تفاعل الناس مع فكرة الرسم في الشارع،:”هذا يسعدني اكثر من أي جائزه” ويضيف:”الناس متجاوبين ومهتمين وداعمين”.
تلزم الإشارة إلى أن مراد سبيع كان أطلق عدة حملات للرسم على الجدارن خلال الأعوام الماضية بدأها بحملة “لون جدار شارعك”، تلتها حملة “الجدارن تتذكر وجوههم” والتي خصصها للمخفيين قسراً في اليمن، ثم “12 ساعه” لانتقاد الطائفية والانحياز لقضايا التسامح والحفاظ على حقوق الإنسان.
ولاقت جميع الحملات تفاعلاً كبيراً على مستوى الشارع وكذلك في أوساط المثقفين داخل وخارج اليمن لتحظى حملاته بتغطيات صحفية محلية ودولية لما يقدمه في مجاله الفني والذي يعتبر فناً حديث عهد في اليمن وجد له مساحة واسعه وقبولاً جماهيرياً خلال وبعد ثورة فبراير 2011 في اليمن.
إقرأ المزيد..