جدارية “القهر” للفنان مراد سبيع تجسد الحرب والموت والقمع في اليمن (مواقع التواصل الاجتماعي)
28/7/2021
كشف الغرافيتي اليمني مراد سبيع عن تعرض جدراية رسمها في قلب مدينة باريس للتخريب والتشويه من قبل مجهولين.
وعلق سبيع بالقول “للفن قدرة هائلة على الإغضاب والتحريض والتنوير، متابعاً “بعد أقل من يومين على تنفيذي لجدارية الكولاج “القهر” في قلب مدينة باريس، تم تشويه الجدارية وإلغائها”.
“وجوه الحرب”.. حملة إلكترونية للتنديد باستمرار الحرب في اليمن
يمن شباب نت:
الإثنين, 12 أكتوبر, 2020 – 04:42 صباحاً
أطلق الفنان اليمني مراد سبيع حملة الكترونية تحت “#وجوه_الحرب” لحملة إلكترونية للفت انتباه المجتمع الدولي وشعوب العالم للحرب الدائرة في اليمن للعام السادس على التوالي.
وقال سبيع “منذ ست سنوات والحرب في اليمن تسحق وتدمر الشجر والحجر، وكل يوم يمر على اليمنيين، ترتكب الميليشيات المدعومة من إيران والتحالف بقيادة السعودية والإمارات جرائم ضد الإنسانية”.
وأضاف “لقد أطلقت الحملة الافتراضية “وجوه الحرب سيلفي” للتنديد بالحرب في اليمن وحول العالم، لذا أدعوكم جميعًا من جميع أنحاء العالم للمشاركة في هذه الحملة الافتراضية للتنديد والاحتجاج على الحروب”.
وجدارية “وجوه الحرب” رسمها الفنان مراد سبيع عام 2017 بيّن من خلالها كيف تستهلك الحرب الناس وتغير ملامحهم وحياتهم.
وخلال الحرب أصبح حوالي 80% من اليمنيين بحاجة لمساعدة إنسانية وحماية في أزمة وصفتها منظمات الإغاثة الدولية بأنها ” أسوأ كارثة إنسانية في العالم”.
مجموعة «رقصةُ الموتى الأخيرة» لمُراد سُبيع: تاريخٌ مصور للحظات الأخيرة لموتى الحرب في اليمن
أحمد الأغبري
صنعاء ـ «القدس العربي»: أنْ ترسمُ الموتَ وتشكلُ بالخطوط والألوان قصصاً لموتى الحرب في اليمن؛ فمَهمةٌ ليست يسيرة؛ لأنك بقدر ما تحاور الألم في أقسى مراحله؛ وهو الموت فإنك تستنطق الحرب في أبشع صورها وهي القتل وتحرص، فوق كل ذلك، أن تقدم ذروة ذلك الألم لدى الضحايا في سياقٍ فني يرى ويسمع، من خلاله العالم، ما لم يستطع أولئك الموتى أن يرووه عن لحظاتهم الأخيرة… وهي مَهمة قاسية تصدى لها الفنان اليمني مُراد سُبيع، في مجموعته التشكيلية «رقصة الموتى الأخيرة»، التي تضُم أكثر من خمسين لوحة، تمثلُ محاولة منه لأن يُشكل، ولو تاريخا مصورا بسيطا لفترةٍ قاتمة يعيشها بلده تحت نير حرب قذرة.
لمُراد سُبيع، وهو أحد الرسامين الشباب في اليمن، تجربته المؤثرة في جداريات فن الشارع (الغرافيتي)؛ وها هو، اليوم، يشتغل في فرنسا حيث يُقيم، على مجموعة من اللوحات التشكيلية، تتناول بعض قصص موتى الحرب في بلاده؛ وهي مجموعة ينتهي منها في مايو/أيار المقبل بعد عام من الانكباب عليها في مدرسة كلية الفنون العليا في مدينة أكس جنوب فرنسا ضمن برنامج زمالة صندوق حماية الفنانين في أمريكا.
عادة، يشتغل مراد ضمن حملات فنية، أو على سلسلة أعمال في سياق موضوع معين، وله في هذا عددٌ من التجارب الجدارية داخل بلاده، وحتى عقب مغادرته أنجز جداريات في باريس ولندن ومارسيليا؛ بما فيها جدارية ضمت أعمالا من مجموعته التشكيلية هذه، التي استخدم فيها ألوان أكريليك على قماش.
الضحايا المدنيون
انطلق، في اشتغاله على هذه المجموعة، من «أن اليمنيين المدنيين يمرون بمراحل موت مختلفة قبل الموت الجسدي… ووفق تقارير أُممية فإن عدد موتى الحرب في اليمن وصل لنحو ثلاثمئة ألف، وللأسف يتحول هؤلاء الموتى إلى أرقام بينما لهم قصص وتفاصيل. أنا في هذه الأعمال اشتغلُ على تفاصيلِ قصص معاناة هؤلاء الناس ووضعياتهم في اللحظات الأخيرة قبل الموت؛ واللحظات الأخيرة هي عبارة عن رقصات لاإرادية تشكلها أيدي الحرب والدمار» يقول مراد متحدثاً لـ«القدس العربي» عبر البريد الإلكتروني.
المدلول الإنساني
تعود فكرةُ هذه المجموعة للسنوات التي عاشها مُراد في بلاده؛ وهي قريبةٌ من نسق الأعمال التي نفذها ضمن فن الشارع هناك، وكذلك في لندن وباريس، لكن تركيزه، هنا، انسكب تشكيلياً على الضحايا المدنيين انطلاقاً من أن قصص معاناة هؤلاء كإنسان تضيع، كما يعتقد، في الأرقام؛ معتبراً هذه المجموعة امتداداً موضوعياً لأعماله السابقة، لكن برؤية فنية مختلفة تُركز «على المدلول الإنساني أكثر من المدلول السياسي».
وبالتالي فموضوع هذه الأعمال، من وجهة نظره، هو تعبيرٌ عن حالة اليمني كشعب وبلد وإنسان، «إذ تمنحك اللوحات تفاصيل أكثر لتشاهدها؛ ففي هيئة الأجساد المعصورة والممزقة، والتي فقدتْ شكلها… حاولتُ أن ابتعدُ قليلاً عن رسم الأشلاء، على اعتبار أن المشاهد معنيٌ بتلقي العمل بطريقة فنية تُوصِل إليه معنى الحرب الحقيقي؛ لذا اشتغلتُ على هيئة الأجساد قبل الموت، وكيف تنالُ الحرب من الأجساد والأرواح».
وضعَ مراد بعض أعمال هذه المجموعة في أول جدارية اشتغلها في هذا السياق، وكانت في باريس خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وهناك اشتغل ثلاثة أعمال من هذه المجموعة ضمن تلك الجدارية، وذلك للتذكير بضحايا الحرب في بلاده، في محاولة كما يقول «لإيجاد تواصل مباشر للعالم مع الإنسان اليمني وقصته كضحية لحرب ظالمة».
كان هذا المشروع وإنجازه عبر مجموعة تشكيلية هو الوسيلة التي ارتأها لتصوير تفاصيل قصص موتى الحرب هناك، لاسيما مع تعقيد الضوابط القانونية لممارسة فن الشارع في أوروبا، متمنياً أن تُتاح له الفرصة للانتقال لأماكن أخرى في العالم ليُعبر عن معاناة بلاده مع الحرب «أدركُ تماماً ما يعيشه اليمنيون، حتى وأنا بعيد عنهم».
الموتُ كعملٍ فني
الاشتغالُ على الموتِ كنسق تشكيلي وعملٍ فني ليس بالعمل الهين؛ فالفكرة بحد ذاتها مخيفة ومعقدة، ليس لكون الموت وما يكتنف فكرته من تفاصيل يخافها الناس، وإنما، أيضاً، لأن وسائل وقصص التعبير عنه فنياً ليست يسيرة، وربما لن تكون مقنعة، «فالموت يخاف منه الجميع؛ لكنه سُنة الحياة، إلا أن مواجهة القتل بأشكاله التي تخلقها الحرب يعد واجبا؛ فاليمنيون يموتون كل يوم، ولا يوجد مَن يحكي قصصهم، ولا مَن يتضامن معهم بشكل جاد، سواءً على المستوى العالمي أو المستوى الإقليمي. أحاول بهذه الأعمال أن أشكل ولو تاريخا مصورا بسيطا لفترة قاتمة يعيشها بلدي وأهل بلدي، الذين أخذت منهم الحرب أحلامهم؛ وهو ما سيؤثر لعقودٍ مقبلة على اليمن، وستحتاج البلاد لوقت طويل لتتعافى، هذا إذا انتهت الحرب في الوقت القريب».
ويعتقد مُراد أن على الفن بكل أشكاله أن يستحضر معاناة الإنسان اليمني، فهي معاناة قاسية وغير مسبوقة، ولم تلق حقها من الوعي بخصوصيتها والتضامن والمساندة لمظلوميتها، كما يخاف مراد من أن يألف ويعتاد المتابعون أخبار هذه المعاناة الإنسانية؛ «ولهذا أحرصُ ألا تغيب، على الأقل، في أعمالي، حيث ستظل قصة الإنسان اليمني هي العنصر الأهم فيها؛ لأننا بحاجة لمَن يتحدث عن معاناة هذا الشعب وآلامه، وربما سيكون هناك مَن سيتعظ في المستقبل».
المعرض
استلهم مراد سبيع قصص هذه اللوحات مما شاهده في بلاده، ومازال يشاهده من صورٍ وفيديوهات من أرض المعارك، «وكلها صور تتجمع في رأسي وتجعلني أخرجُ بهذه التفاصيل؛ فهذه الأعمال هي مِن داخل الكارثة في بلدي، إنها محاولة للتعبير عما يحصل هناك». بلاشك أن ألم أولئك الضحايا، وهم يتموضعون على اللوحات، يعتصر روح الفنان خلال اشتغاله على لحظاتهم الأخيرة، فيأسى على أرواحهم مع كل نقطة يضعها على تلك الصور؛ لأن تلك الأرواح التي تروي الألوان قصصها الأخيرة هي بلده!
يبقى السؤال عن مصير هذه الأعمال، وهل سيتم عرضها في معرض متنقل؟ هنا يوضح مُراد سُبيع، أن لا خطة واضحة لديه لهذا الأمر حتى الآن؛ إذ ينتظر، حالياً، انتهاء البرنامج مع نهاية مايو/أيار.
هل يعود اليمن سعيدا؟.. شقيقان يهزمان الحرب بالألوان (حوار)
06:11 مالأربعاء 06 مارس 2019
إحدى لوحات مراد سبيع في اليمن
كتبت- إشراق أحمد:
في الحرب لا تُعدم الوسيلة. لم يجد الشقيقان مراد وهيفاء سبيع سوى الفن، لإسماع صوت اليمن الذي لم يعد سعيدًا منذ مسه الحرب عام 2015.
لم يكن فقد هيفاء لعملها جراء الحرب أكبر الخسائر، بل المناظر المأساوية التي تعيشها السيدة العشرينية؛ الرعب الذي يعصف بأمانها يوميًا، كذلك لم يعد لدى شقيقها مراد شيئا سوى غرس الأمل في نفسه وتمريره للآخرين، حاول الشقيقان المقاومة بما يجيدا منذ الصغر، فكان الرسم وسيلتهما والشوارع لوحتهما التي لا تنضب أوراقها.
مع العام 2012 اقتحم مراد صمت مدينة صنعاء، دعا للرسم في الشوارع عبر فيسبوك “كنت واحد من اللي نزلوا الشارع واتأثرت حال اليمنيين بالثورة قبل أن يحدث انتكاسة وتتواجد الحركات الانفصالية” يقول الشاب لمصراوي. أصاب الاقتتال مراد بخيبة الأمل، فنشر دعوته في الفضاء الإلكتروني، وحمل ألوانه ونزل دون أن يتوقع مشاركة أحد.
ذهب صاحب الواحد والثلاثين ربيعًا بالقرب من منطقة ساحات الثورة، لم يثنه منع طرفي الاقتتال له، في مساحة وسطى بينهما تقدر بنحو 200 مترًا كانت بمثابة “الخط الأحمر”، وضع مراد فرشاته وألوانه على الجدار لأول مرة، رسم الشاب لنحو 4 ساعات، ما غاب عنها الخوف، مما دفعه للاتصال بصديق لعله يرسل خبرًا لأسرته إن وقع مكروهًا.
كان ذلك في 15 مارس حين استمر مراد يرسم وحيدًا على مدار أسبوع، قبل أن يلتفت له الإعلام في اليوم الرابع، فيما انتبه المارة لاختلاف ما يفعله، كانوا يظنونه أحد كاتبي الشعارات التي ملوها قبل أن تجذبهم الألوان، فانضم له البعض، وأصبح كل خميس لقاء فني يمتد اليمنيون فيه على الجدار للرسم عليه، ومن وقتها أخذ مراد عهدا على نفسه؛ أن يصبح الخامس عشر من مارس يوما مفتوحا للفن في اليمنّ.
على جدران شوارع اليمن عبر الشقيق الأكبر عن بعض قضايا مجتمعه، منح ركامها ألوانًا زاهية، ورسائل من قلب معاناة الحرب. أطلق مراد العديد من الحملات بلغ عددها ست، امتدت لفترات مختلفة، حتى أصبح تواجد أحدهم يحمل فرشاة أو بخاخ ألوان معتاد عليه بعدما كان غريبًا في السابق كما يصف مراد.
ولم تكن الأخت الصغرى، هيفاء، بعيدة عن ذلك. شاركت شقيقها في حملتين، وقررت النزول إلى الشارع بعد الحرب عام 2015، فمسها الإلهام، لتطلق في 17 أغسطس 2017 حملة “ضحايا صامتون” دعت محبي الفن إلى التعبير عن النساء والأطفال، الفئات التي تراها ابنة آل سبيع الأكثر تضررًا في هذه الحرب، كذلك أرادت أن تقود الفتيات لاقتحام الطرقات ووضع بصمتهن فلا تظل مواهبهن أسيرة الورق.
عامان ونصف لا تبرح هيفاء شوارع مدينة صنعاء، تصحب عدتها من الفرش والألوان وتتوجه صوب الجدران، وفي غضون ساعات تغادرها بعدما تترك عليها شيء من رسائل أهل اليمن، يصاحبها فتيات لا يتجاوز عددهن السبع، فالكثير يخفن المشاركة إما خوفًا من الأهل أو الوضع الأمني حسب قول هيفاء.
طفل من عظام، إيقاع الحرب، جنسيتي نازحة. بعض من الرسوم التي نفذتها هيفاء في شوارع صنعاء. “الرسم لا يحتاج لغة للحديث عنه.. هو لغة بحد ذاته، يكفي أن ترى اللوحة وتصلك رسالة الفنان” تقول ابنة صنعاء، فيما ترى أنه عبر الرسوم الجدارية التي أخذت في الانتشار أصبح بعض الناس حول العالم يعلمون بأمر الحرب ومعاناة اليمنيين.
بات مراد على يقين أن صرخة جدران اليمن تجاوزت الحدود، لم يعد اليوم المفتوح للفن يقام في مدن البلد المنكوب، يقول الشاب إن العام الماضي في الموعد ذاته من مارس، أقيمت الفاعلية في 10 مدن بينها 4 بالخارج، في فرنسا وكوريا ومدينتين في مدغشقر “إحنا بلد هامشي بالنسبة للعالم لذلك حاولت أعمل جسور فنية تربط الناس مع بعضها في مناطق مختلفة”.
عمل ابن صنعاء على التواصل مع المهتمين في دول عدة ليسيروا على درب اليمن، ليخرج مراد بلده في يوم من دائرة الحرب إلى القيادة، يقول “عادة ما يكون الجمهور مشاهد وليس صانع فن لكن اللي حصل في اليمن استثنائي الجمهور جزء من العمل، مساهم فيه”.
6 حملات أطلقها مراد على مدار 8 أعوام، يواصل العمل في آخرها الحاملة لاسم “وجوه الحرب”، لكن جميعها أرسى فيها قواعده؛ الأولى ألا يتدخل فيها أي طرف سياسي أو يتحكم فيها المال بأي شكل من الأشكال، وأما الثانية أن يكون الناس جزء منها، يتذكر الشاب الثلاثيني حملته الأولى “لون جدار شارعك” و”الجدران تتذكر” تلك الأخيرة التي سجلت طيلة 7 أشهر وجوه وقصص المختفين قسرياً في اليمن منذ نهاية الستينات وحتى عام 2012 وقت تنفيذها.
في شارع “حدة” في مدينة السبعين، جنوب صنعاء، رسمت هيفاء رسمتها الأولى، طفل وامرأة يظهر من خلفهما الدمار. ومعهما لمست ردود الفعل “في البداية فضول وحب استطلاع وبعد الجدراية أصبح التفاعل أكبر من قبل المارة”.
كذلك لمس قلب مراد رؤية اليمنيين يرسمون، أو توقف أحدهم لجلب الألوان ودعم المشاركين بما في استطاعته، يشعر الشاب بأن صدق فعلهم لاقى الأفئدة. يقول إنه وقت الثورة كان هناك من يطمس الجدرايات فيستنكر الناس ذلك، لكن اللافت بالنسبة له “أنه بعدين رجعوا يطمسوا لكن يرسموا أشياء أخرى حتى الميليشيات التي لا تمثل اليمنيين صاروا يستخدموا الفن كوسيلة”، يرى الشاب أن هذا مكسب للفن رغم اختلاف الأغراض والرسائل.
لكن لم يكن كل ما استقبله الشقيقين مفرحًا. “واجهت التهديد بالسجن والتصفية من قِبل الحوثيين” تقول هيفاء عما عانته بسبب ما تفعل، فضلاً عن ردود الفعل المباشرة، مثل إثنائها عن مواصلة الرسم بالمنع حينًا ومصادرة أدواتها أحيانًا، أو دفعها لترك المكان بفرض أفكار لرسمها، فيما تعتبر ذلك أمر غير مقبول “لأن ما أقوم برسمه يجب أن يكون صادقًا وخالصًا لأجل الإنسانية ولا يخضع لرغبات أي طرف كان”.
أما مراد، فالتعرض للتوقيف لم يعد غريباً، لكنه طالما حرص على تجاوز الواقع بالفكاهة، يستعيد يوم أن ذهب للرسم على إحدى المدارس التي قصفت شمال اليمن، لم يكن على علم أن وجهتهم لخط المواجهات في “نهم”، فكانت النتيجة؛ احتجازهم لمدة ساعة في منزل طيني تم استحداثه كسجن، وما أن علا الصوت حتى سمعوا صراخ أحد اليمنيين المحتجزين ساخرًا “ودفت أمريكا –انتهت” يقول مراد مبتسمًا.
تبدلت الحياة في صنعاء على كافة الأصعدة، صارت المدينة بائسة، يتملك منها الجوع والتذمر، فيما لا تنقطع الدعوات بالفرج وانتهاء الغمة قريبًا. انقطاع الرواتب مقابل ارتفاع الأسعار بشكل جنوني دفع البعض للانتحار كما يقول الشقيقان.
لحظات عصيبة لا تغادر ابنا آل سبيع، لا تتوقف عند أعداد ضحايا الحرب البالغ عددهم حتى الآن نحو 70 ألفًا ما بين قتيل وجريح، بل الشعور بدنو الموت، يذكر مراد ابن عمه ذي الأربعة عشر عامًا “تم تجنيده وقتل في قصف طيران قبل عامين”، فيما لا تمحى ذكرى يوم الثامن عشر من سبتمبر 2015 من ذاكرة هيفاء.
كان مساء يوم الجمعة حين قُصف معسكر حرس الشرف، القريب من منزل هيفاء في منطقة الزبيري وسط صنعاء. “كنت استمع وقتها للموسيقى في غرفتي بجوار النافذة. لحظات حتى ارتطم رأسي في الأرض ووجدت نفسي في الصالة أبحث عن أمي. لا أعلم كيف خرجت. عندها أخرجني أجي الصغير من البيت وأوصلني لمنزل أخي في شارع آخر” تحكي هيفاء كيف رأت الموت بغتة في صمت، لهذا قررت وشقيقها كسر هذا السكوت الذي تفرضه الحرب لتصرخ به الجدران.
كرس مراد حياته للفن منذ عام 2001، حتى حينما فاز بجائزة السلام في الفن عام 2014 من إيطاليا، صنع بمقابلها المادي عمل فني اسماه “منحوت الفجر” حديد يمتد لارتفاع قرابة مترين يرمز للوحدة بين اليمنيين لبناء دولتهم قبل 3 آلاف سنة.
لم يدرس أبناء سبيع الرسم أكاديميًا، بل مارساه “مفيش كلية فنون في صنعاء” كما يقول الشاب، لكنهما استطاعا نشره في أرجاء بلادهما. يتملك اليأس من الشقيقان أحيانًا، لاسيما حينما ترى هيفاء انتشار منظمات الإغاثة “أشعر أن الوضع لن يتحسن وأن الحرب ستستمر لوقت غير معلوم”، لكن سرعان ما تتعافى، تتذكر كيف أخرجها فن الشارع من الحالة السيئة التي سبق أن مرت بها، فيما يفكر مراد في سبيل آخر غير التحلي بالأمل فلا يجد “إذا توقفنا عن الحلم هل في بديل غير حفر القبر. لا يوجد خيار آخر غير أني أقول بكرة بيكون أفضل مش مجرد القول لكن اتحرك واشتغل”.
شارك العشرات من الرسامين اليوم في صنعاء بحملة “يوم من السلام والتعبير الحر والفن” للرسم علي الجدران ، وسط المدينة .
واوضح صامد السامعي أحد الشباب المشاركين في الحملة ان تهدف الي الدعوة للسلام والتعايش ورفض الحرب.
واضاف السامعي لـ”المشاهد” الفعالية هي إيجاد فسحة للناس التي تريد أن تعبر عن نفسها، لأن الرسم والفنون بشكل عام تشكل أدوات هامة لمن يريد أن يقدم رسالة مدنية ورسالة تعايش وسلام”.
واشار السامعي الي الحملة ليست مقتصرة علي صنعاء فقط ، بل سوف تقام في ثلاث مدن يمنية هي تعز وعدن وحجة ،وحتي في بعض المدن الاوروبية مثل العاصمة الفرنسية باريس وفيرونا في ايطاليا ، بالإضافة إلى مدن عالمية أخرى مثل سيول الكورية و انتاناناريفو و اندازبي في مدغشقر .
يذكر أن الحملة كانت قد بدأت فكرتها عام 2012م والتي دشنها الفنان التشكيلي مراد سبيع والتي هدفت الي تحويل جدران شوارع اليمن من واجهة للكراهية والعنف إلى فضاء للجمال والتعايش.
قتلى وجرحى واختفاءات قسرية ومجاعة وأوبئة…الفنان التشكيلي اليمني مراد سبيع رسم جداريات في عدة مدن يمنية يروي من خلالها قصص معاناة اليمنيين في زمن الحرب. شاهدوا!
رسام الغرافيتي مراد سبيع يساهم منذ أكثر من ثلاث سنوات في تنظيم حملات للرسم على الجدران تهدف إلى نقل مأساة اليمن وآلامه إلى العالم.
الخميس 2018/07/12
“حطام” مشروع فني ليعم السلام
الفن سلاح ناعم إذا تردت الأوضاع في بلد ما، لكن له قدرة على المقاومة لأنه يبعث أمل الحياة في الناس ويساهم في توعيتهم بأهمية قيم الحب والجمال، فنان الغرافيتي اليمني مراد سبيع يدخل غمار الحرب بالرسم على الجدران.
صنعاء- منذ سنوات برز اسم الفنان اليمني، الرسام الغرافيتي، مراد سبيع كواحد من أشهر الفنانين في البلاد، الذين يناقشون مأساة وآلام بلادهم، عبر الرسم على الجدران.
ومنذ بدء الحرب المشتعلة في اليمن، قبل أكثر من ثلاثة أعوام، كان للفنان الشاب سبيع إسهام فاعل في تنظيم حملات للرسم على الجدران، تهدف إلى نقل مأساة اليمن وآلامه إلى العالم.
وعلى الرغم من إسكات مختلف الأصوات في اليمن، منذ بدء الحرب من قبل أطراف الصراع، إلا أن صوت الفن لدى سبيع لا يزال مدويا، رغم الظروف الأمنية الصعبة التي تمر بها بلاده، والتي لا تسمح ببروز أي انتقادات أو أي أنشطة تعبر عن مآسي الوطن التي كان أطراف النزاع سببا في انتشارها.
وقال سبيع إن فنه “يتركز في الرسم على الجدران والتعبير عن القضايا اليمنية، خصوصا في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد بسبب الحرب”. وأوضح قائلا “نقوم بجهود ذاتية عن طريق الرسم، لتجسيد الأوضاع في ظل الحرب، ونقوم بتجسيد دور للفن في ظل الصراع الحالي”. وبين أنه بسبب أن الحرب أسكتت العديد من الأصوات في اليمن، فقد جاء الفن ليتواجد في هذا الوقت الصعب.
وحول مدى استمراره في عمله ونشاطه رغم الظروف الأمنية، تساءل قائلا “إذا لم يحضر الفن كوسيلة تعبير عن أوضاع الناس في ظل الحرب، فمتى كان سيظهر؟”. ويعتبر سبيع وجود الفن في هذه الأيام باليمن أفضل من وجوده في أي وقت آخر، باعتبار أن وسائل التعبير الأخرى تحضر وقت السلم بشكل تام.
ويبدو سبيع سعيدا باستمراره في ممارسة نشاطه رغم ظروف الحرب، ويقول إن “رمزية وجود الفن في هذا الوقت، خصوصا الرسم على الجدران، تتمثل في كونه قريبا جدا من الناس، بحكم أنه يُلمس ويتواجد في طريق ذهاب الناس إلى العمل أو إلى المدرسة، أو في مختلف تحركاتهم”.
مراد سبيع: الحرب تجعلنا بلا أحلام ولا أمل ولا حياة ولا روح..وتدفعنا إلى الصمت
والفن، حسب سبيع، يعمل على خلق حوار في الشارع، خصوصا في وقت الحرب التي يشهدها اليمن، وبخصوص ذلك يقول “هذه رسالة الفنان، بأن يحفز على صنع الحوار في الشارع اليمني”.
وفي الأنشطة الفنية التي مارسها سبيع استطاع مناقشة العديد من القضايا المهمة التي تواجهها بلاده، في ظل الحرب، وخصوصا الأوضاع الصعبة التي يمر بها الأطفال والنساء. ويسرد سبيع حملته الفنية التي سماها “حُطام”، والتي بدأت في شهر مايو من عام 2015، حيث تتم فيها الدعوة إلى الرسم بمشاركة الناس.
ويشير إلى أنه يقيم حملات فنية للرسم في صنعاء ومدن يمنية أخرى، وقد وصلت حملاته الفنية في المجال ذاته إلى الخارج، حيث تم تنظيم تعاون لإقامة الحدث نفسه في مدينة ريديج البريطانية بالتعاون مع فنانة هناك. وهذه الحملات في الداخل والخارج تدعو في مجملها إلى إحلال السلام في اليمن الذي مزقته الحرب، على مدى سنوات مضت.
في العام الحالي (2018) توسع نشاط الفنان اليمني سبيع، حيث أصبحت حملات الرسم التي يقوم بها في ست مدن يمنية، هي صنعاء وعدن وتعز ومأرب وإب والحديدة، بالإضافة إلى مشاركة أصدقاء وفنانين في مدن بالخارج، مثل عاصمة كوريا الجنوبية سيول وفي مدغشقر، وفي العاصمة الفرنسية باريس.
ويشرح سبيع بكل سرور وفخر كيفية مشاركة هذه الحملات في باريس، مشيرا إلى أن الحدث هناك كان كبيرا وواسعا، وناقش أهمية إحلال السلام سواء في اليمن أو في العالم.
وحول مدى تفاعل الناس ومشاركتهم في هذه الحملات، يقول سبيع إن “مشاركتهم هي روح العمل… إن تربط العمل الفني بالناس ينجحوا في العمل، وتمنحهم قضاياهم القدرة على الإنجاز والنجاح”.
ويتابع سبيع قائلا إنه “أطلق في نوفمبر من العام الماضي (2017) حملة جداريات ‘وجوه الحرب’، وقد كان ذلك في مدينة الحديدة، غربي اليمن، بحكم أن المدينة تتعرض لإهمال متعمد، ويعاني سكانها من الجوع والفقر والمرض”.
وقد كانت هناك جداريات أخرى، تم تنفيذها في صنعاء في العام الحالي وهي في مجملها محاولة لنقل وجوه الحرب عن طريق الرسم على الجدران. وحول كيفية تصوير ومناقشة قضايا اليمن عن طريق الرسوم على الجدران يوضح سبيع قائلا إنه يريد إيصال رسالة مفادها أن الحرب ليست بنادق وقذائف وألغاما… “أنا قمت بتصوير الحرب في الرسوم، عبر تأثيرها على الناس”.
ولفت إلى أن الحرب يتم تصويرها عن طريق تلك الرسوم التي تحكي العيون الفارغة التي أصبحت كثقب أسود بسبب أهوال الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، بالإضافة إلى ذلك الجلد الملتصق على العظم، والوجه الهزيل صاحب الملابس الرثة.
وكذلك تمت مناقشة مأساة الحرب عن طريق رسم أعضاء مبتورة على الجدران، أو ذلك الرأس المقطوع الذي يقف عليه الغراب، أو الطفل الذي يده مبتورة وما زال يرفع في يده الأخرى شعارا يدعو إلى السلام. وحول تأثيرات الحرب على واقعه وواقع اليمنيين، يشعر مراد سبيع بأسى شديد في هذا الجانب، ويقول “الحرب تجعلنا بلا أحلام ولا أمل ولا حياة ولا روح أيضا”.
وفي المقابل، يبدو عليه عامل الرضا عن تأثير رسائله الفنية، ويشير إلى أن رسائله وصلت إلى جمهور غفير، وقد تم التعامل معها في وسائل الإعلام العربية والدولية. وفي ما يتعلق بمساحة التعبير في بلاده والعوائق التي تعرض لها يقول سبيع “في ظل الحرب يصمت كل شيء، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على أي نشاط”.
الرسم على الجدران يعاني كاليمن واليمنيين
وشكا من أنه لم يتمكن من زيارة بعض المدن اليمنية، للقيام بحملات فنية فيها، بسبب الأوضاع الأمنية والصراعات هناك. ولفت إلى أنه لا وجود للحرية على الإطلاق، موضحا أنه “يقوم بالرسم في واقع مليء بالخوف، فكل جهة مسيطرة على منطقة ما في اليمن لا تؤمن إلا بصوتها”.
وقال “إذا كانت رسالتك الفنية مباشرة، أو إذا فُهمت بأنها لا تخدم طرفا ما، فإنه قد يتم قمعك من الجهة المتحكمة، ولهذا (…) كانت الرسائل الفنية الموجودة لا تفهم بسهولة”.
ويحاول سبيع الاستمرار في الرسم في هذا الوقت الصعب، دون الدخول في صراع مع الأطراف المسيطرة على الأرض، لأن من سيخسر هو الفنان أو الفن، وبالتالي “قد نكون ضحينا في فكرة إمكانية الاستمرار في هذا العمل في ظل الظروف الصعبة”.
وشكا سبيع من أن الأطراف المتصارعة تفكر في نفسها فقط، واليمنيون خارج إطار نطاق اهتماماتها، سواء أكانوا من الأطفال أم من النساء أم من الأبرياء أم من الضحايا. وقال إن” هناك انتشارا لميليشيات في كافة التراب اليمني، قد تستمر تغذيتها لأنه لا توجد دولة تحمي المواطن أو جيش يحسم الصراع من أجل الدولة”.
ويتمنى سبيع مواصلة حملات الرسم، للتعبير عن هموم وقضايا اليمن. وأضاف في هذا السياق أن “هناك شبان بدأوا يخرجون من منازلهم ويرسمون ويعبرون عن قضاياهم”. وتابع قائلا “بدأ الناس يعتمدون على الوسائل السلمية والفنية للتعبير عن قضاياهم، وهذا شيء عظيم؛ هذا دليل على أن اليمنيين شعب حضاري وعريق”.
واختتم بالقول “تكالبت علينا الظروف العصيبة، لكن يفترض ألا يبقى أحد في مكانه؛ لزام علينا أن نعمل ونخصص وقتا للخروج من الدمار والحرب التي نعيشها”.
صنعاء ـ «القدس العرب» من أحمد الأغبري: «ليس هناك وجه معين للحرب» يتحدث الفنان اليمني مراد سبيع عما أنجزه من أعمال مجموعة «وجوه الحرب»؛ وهي جداريات لوجوه من الضحايا يشتغل عليها على جدران تئن تحت وقع المأساة هناك، موضحاً «ما أحاول عمله هو نقل الوجه القبيح للحرب، عبر آثارها على أجساد وأرواح البشر الذين يعيشونها».
ومراد فنان ينتمي إلى فن الشارع تشكيلياً، واستطاع منذ عام 2012 أن يسهم في التأسيس لحضور هذا الفن في مواجهة التزامات كبيرة، كالأهداف التي ارتبطت بمجموعته «وجوه الحرب»؛ المتمثلة في إبراز الوجه القبيح لآثار الحرب في بلد ما زال يعيشها؛ وهو بهذا، بلا شك، يعبّر من خلال الجدران عما صنعته الحرب وتصنعه في الإنسان، وتشهد من خلال ذلك على المكان. كما أن هذه الأعمال قد لا تبقى طويلاً في مكانها بفعل ظروف الحرب، لكن يكفي أن تتحرك الريشة، وتقول كلمتها بين هذا الركام، وتجسد صورة من صور الألم؛ فالفن إذا لم يكن جزءاً من الناس يبقى في موقع لا يليق به؛ هكذا يعتقد مراد.
ضمن «فن الشارع» أطلق مراد خمس حملات فنية خلال تجربته؛ فنفذ حملته الأولى «لوّن جدران شارعك» عام 2012، ثم أطلق حملته الثانية «الجدران تتذكر وجوههم» بعد شهرين، ومن ثم حملته الثالثة «12 ساعة» عام 2013 والرابعة «منحوتات الفجر» في أوائل عام 2015. وبعد اندلاع الحرب الأهلية والخارجية المستعرة هناك في الربع الأول من عام 2015، أطلق حملته الخامسة «آثار».
منذ أواخر عام 2017 بدأ مراد في الاشتغال على مجموعة من الأعمال تصور معاناة الحرب، على جدران تمثل شواهد على آثار الحرب، وأنجز منها حتى الآن خمسة أعمال؛ ثلاثة منها في مدينة الحديدة/غرب، اشتغل عليها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واثنين منها في صنعاء اشتغل عليها خلال مايو/ آيار؛ وفي هذه الجداريات جسد وجوه أطفال وبالغين تعكس ملامحهم المعاناة الناتجة عن الحرب. «الوجوه في جداريات هذه المجموعة سواء كانت لأطفال أو بالغين هي متشابهة، من خلال تصويرها لوجه الحرب، عبر آثارها التي تركتها على وجوه وأجساد الشخصيات المرسومة» يتحدث مُراد لـ«القدس العربي».
عندما يختار المكان الذي سيرسم عليه لابد أن يقرأ مراد في الجدار قصة من قصص المعاناة الناتجة عن الحرب؛ وهي قصة يحرص على أن يكتب فكرتها؛ وهو يقدم صور الجدارية على موقعه الإلكتروني؛ فجدارية «تهامة» كما كتب عنها، هي نتاج تأثره بمنظر في مدينة الحديدة لامرأتين تطبخان على قدر فوق كومة من الأحجار والحطب… كان معهما أطفالهما وخلفهما هيكل يشبه الكوخ مرفوع بأعمدة خشبية وفوقه منشورة خرق من الملابس البالية. يقول مراد «ما زالت في ذاكرتي ابتسامتهما على الرغم من قساوة حياتهيهما. رجعت في اليوم التالي إلى المكان نفسه لأطبق هذه الجدارية على جدار مطبخهما الذي على الرصيف، والتي اسميتها (تهامة)». من هنا يأتي اختيار المكان واختيار الوجه: «من الناس ومن الضحايا، وهي تكاد تكون الوجه ذاته لا فرق» يقول مراد مشيراً إلى حرصه على تجسيد ملامح الحرب: «العيون المفقوعة بسبب أهوال الحرب والجلد الملتصق على العظم والشعر المنفوش كغابة محروقة، وتارة كأرض معركة مازالت مستمرة… ليس هناك وجه معين للحرب»، يوضح مراد الذي يحاول فقط في كل جدارية نقل حكاية من حكايات الحرب، لعلها تقول ما لم تقله بقية أشكال التعبير الأخرى عن أناس ممن لا يلتف لهم الإعلام ولا تهتم بحكاياتهم نشرات الأخبار، كحكاية جدارية «ركام الأطفال» التي اشتغل عليها في صنعاء «خلال سنوات الحرب كان الأمر الجلي والوحيد، هو أن المتحاربين على رؤوسنا لا يقيمون أي وزن لحياة الأبرياء، وفي مقدمتهم الأطفال. تبتلع الحرب وأطرافها روح هذا الشعب وأحلامه ولا يشعر بهذه الحرب إلا الأبرياء». واشتغل هذه الجدارية على بقايا جدار أحد المنازل في أحد شوارع العاصمة. لا يهتم مراد أن يرسم على جدار ثابت، ولا يهتم أن يبقى الجدار لتبقى اللوحة؛ فهو يقول كلمته وينجز لوحته ومن ثم يصورها ويمضي ويعرض حكايتها وينشرها في موقعه الإلكتروني، كجداريته التي اشتغلها على جزء من باب أحد الملاعب في مدينة الحديدة/ غرب، لكن الباب، الذي يؤدي إلى ملعب صار مكب نفايات، لم يعد ثابتاً؛ فرأى في المنظر تجسيداً لحال بلاده؛ فرسم لوحته على الباب، مجسداً وجها من وجوه الحرب ينعق غراب على رأسه؛ وفيها من الدلالات الكثير.
غالباً تكون الصورة الفوتوغرافية من أهم وسائل الفنان التشكيلي، لكن معظم الفنانين التشكيليين يعتمد على الصورة الفوتوغرافية في تصوير منظر لإعادة الاشتغال عليه تشكيلياَ، لكن مراد يعتمد على الصورة الفوتوغرافية بعد إنجاز جداريته فيتم تصويرها؛ ومن خلال الصورة يتم عرض الجدارية في مواقع التواصل، وقبل ذلك في موقعه الإلكتروني، وأحياناً لا يبقى من الجدارية سوى الصورة الضوئية وحكايتها.
حصل مراد على عددٍ من الجوائز، منها جائزة «الفن من أجل السلام» في 2014 من مؤسسة Veronesi ؛ وهي مؤسسة إيطالية تمنح فنانًا واحدًا كل عام تقديرا لأعمالهم الفنية التي تعزز السلام في العالم. وحصل على «جائزة حرية التعبير لعام 2016» من مؤسسة Index on Censorship في لندن، المملكة المتحدة.
مراد سبيع فنان شاب اكتسح فنه جدران المدن اليمنية بإثارة قضايا مسكوت عنها، كان أبرزها ملف المخفيين قسرياً أثناء حكم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
المخفيون قسراً وقبل أن يبدأ سبيع في رسم وجوههم على الجدران اليمنية لم يكن أحداً يسمع بهذه القضية، ويقول “كان هناك مجتمع مغيب، ومنهم أسر المخفيين أنفسهم، حيث كانوا ممنوعين من الحديث عن ذويهم من المخفيين والمفقودين منذ ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي”.
في عام 2012 نظم مراد سبيع مع رفاقه حملة لرسم وجوه المخفيين بعد أن جمعوا قائمة تضم 102 لأشخاص تم اخفائهم قسرياً منهم؛ قادة سياسيين وعسكريين وموظفين مدنيين وشخصيات اجتماعية، وبدأ مع مجموعة من رفاقه رسم صور هؤلاء على جدران أربع مدن يمنية كبرى واستمرت تلك الحملة لسبعة أشهر.
ويرى سبيع أن تلك الحملة حركت المياه الراكدة في هذا الملف، ونبهت الناس إلى أن الفن يمكن أن يكون له دور في تحريك القضايا، “كان الملف شائكا لكن كانت المؤشرات تقول إنه قد لامس جرحا يجب علاجه، وبدأ نقاش الملف في مجلس النواب، وبدأت الأمم المتحدة في التواصل مع الحكومة اليمنية لتصادق على اتفاقية حماية الناس من الإخفاء القسري وحتى الآن لم يتم المصادقة من قبل البرلمان على تلك الاتفاقية.”
الفن والحرب
يعتقد سبيع أن “وجود الفن في وقت الحرب أهم بألف مرة من حضوره في السلم، لأن الحرب هي ميدان لا يعلوا فيه غير صوت الرصاص، وهنا يجب أن نكافح لأجل إيصال صوت الحياة أيضا ، فصوت الحياة هو الباقي، ومهما كانت أصوات الحياة خافتة أثناء الحرب، فيجب أن لا نيأس.. صحيح أن الفن لا يطعم الناس ولا يقيهم الموت، لكنه يصنع شيئا من الأمل لديهم بأن الحياة تستمر برغم كل الآلام”.
حملة لون “جدار شارعك” كانت أول حملة رسم على الجدران في آذار (مارس) 2012 في اليمن، واستمرت لمدة ثلاثة أشهر، أهمية الفكرة كانت بأنها “ساهمت في ظهور أفكار للرسم في عدد من مدن اليمن، وهي حملة لونية فنية لأجل الفن، كانت السياسية حاضرة فيه لكنها في الظل” وفق ما يؤكده سبيع.
توالت الحملات الفنية التي أطلقها سبيع بصحبة عدد من رفاقه حيث أطلقوا حملة رسم بعنوان “12 ساعة”، استمرت من منتصف عام 2013 حتى منتصف عام 2014 وناقشت 12 قضية من قضايا المجتمع اليمني بينها حمل السلاح والطائفية والاختطاف والطائرات دون طيار، والفقر، والحروب الأهلية، والخيانة، وتجنيد الأطفال، وغيرها.
منحوتة (ألمقة)
أطلق الفنان سبيع مشروع “منحوتات الفجر” بداية عام 2016 وأنجز منحوتة واحدة في شارع الجزائر وسط العاصمة صنعاء، وهي منحوتة (ألمقة) وهو رمز يمني قديم منذ حضارات السبئيين.
يشرح مراد سبب اختياره لـ (المقة) كمنحوتة قائلا “قبل 3 آلاف عام كانت القبائل تبحث عن صيغة تجمعهم تحت ظل فكرة واحدة، وهي بمثابة الدولة حينها، فقاموا بجمع الرموز الدينية الخاصة بكل قبيلة واختزالها في رمز واحد أطلقوا عليه اسم (ألمقة) وهو رمز لتوحيد اليمنيين منذ الأزل”.
حصد سبيع العديد من الجوائز العالمية، كان آخرها جائزة “مؤشر الرقابة على حرية التعبير” عن فئة الفنون التي تمنحها منظمة “أندكس أون” البريطانية سنوياً، لمدافعين عن حرية التعبير على مستوى العالم، وقبلها جائرة “الفن من أجل السلام” من مؤسسة “فيرونيزي” الإيطالية.